إن من واجبنا كآباء و أمهات أن نربي أولادنا منذ أن يفتحوا أعينهم لهذه الحياة على أصول ال صحة النفسية التي تؤهلهم لأن يكونوا في مرتبة إنسان ذي عقل ناضج، و تفكير سليم، و تصرف متزن، و إرادة مستعلية.
كما علينا كذلك أن نحرر أبناءنا من كل العوامل التي تغض من كرامته و اعتباره، و تحطم من كيانه و شخصيته.
و من أهم هذه العوامل :
• ظاهرة الشعور بالنقص:
و هي حالة نفسية تعتري بعض الأولاد لأسباب خَلْقيّة و مرضية، أو عومل تربوية، أو ظروف اقتصادية.
و هذه الظاهرة هي من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد و انحرافه و تحوله إلى حياة الرذيلة و الشقاء و الإجرام.
و من العوامل التي تسبب هذه الظاهرة:
• التحقير و الإهانة:
و هو من أقبح العوامل في انحرافات الولد النفسية، بل هو من أكبر العوامل في ترسيخ ظاهرة الشعور بالنقص لديه.
فكثيرا ما نسمع أن الأم أو الأب شهّر بابنه حين ينحرف أوّل مرة عن سنن الأخلاق و الكريمة، فإذا كذب مرّة ناديناه بالكذاب، و إذا احتال على أخته الصغير فأخذ منها تفاحتها لقّبناه بالمحتال، و إذا لطم أخاه الصغير مرة ناديناه بالشرير، و إذا أخذ من جيب أبيه قلما ناديناه بالسارق، و إذا طلبنا منه كأس ماء للشرب فأبى لقبناه بالكسول، و هكذا نشهر به أمام إخوانه و أهله و أصدقائه و ربما أمام غرباء، مما يجعل الولد ينظر إلى نفسه أنه حقير و مهين لا قيمة له.و من هنا نعلم أية جناية نجنيها على أبنائنا و بناتنا حين نزجّ بهم إلى الحياة في جوّ هذه التربية الفاسدة المليئة بالأخطاء و المعاملة القاسية.
و لكن ما هي المعالجة للولد إذا وقع منه خطأ أو صدرت منه هفوة؟
المعالجة الصحيحة أن ننبهه إلى خطئه برفق و لين، و نقنعه بالحجج الدامغة، و أن الذي صدر منه لا يرضى به إنسان عاقل ذو فهم و بصيرة و فكر ناضج رزين.
• الدلال المفرط:
و هذه ظاهرة خطيرة نراها عند الأبوين الذين لا يعرفان قواعد التربية الصحيحة للولد،
فمن مظاهر هذه التربية الخاطئة:
•عدم السماح للولد بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرا على القيام بها،
اعتقادا منهما أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة و الرحمة للولد.
•احتضان الولد بشكل دائم سواء أكان الاحتضان له مبررات أم لا.
•لا يتركان الولد يغيب عن ناظرهما لحظة و احدة مخافة أن يُصاب بالسوء.
•عدم محاسبة الولد عندما يفسد أثاث المنزل أو عندما يتسلق المنضدة أو عندما يوسخ جدار الغرفة بقلمه أو...
و لكن ما علاج هذه الظاهرة للتخفيف منها؟
. التدرج في تأديب الولد، بالتوجيه، ثم الملاطفة، ثم الإشارة ، ثم التوبيخ...
. تربية الولد منذ نعومة أظافره على الثقة بالنفس، و تحمل المسؤولية، و الجرأة الأدبية، حتى يشعر الولد بوجوده و يكون واعيا بواجبه و مسؤوليته.
• المفاضلة بين الأولاد:
هو من أعظم العوامل في انحراف الولد النفسي، سواء أكانت المفاضلة في العطاء المادي أم في المعاملة أم في المحبة. و تسبب لدى الولد الخوف و الخجل، و الانطواء و البكاء، و حب الاعتداء و المشاجرة و العصيان، و تؤدي إلى المخاوف الليلية، و الإصابات العصبية و مركبات الشعور بالنقص.
ما علاج هذه الظاهرة؟
على الآباء و الأمهات أن يرضوْا بما قسم اللله لهم من معطيات البنين و البنات، و عليهم أن يسعوْا جهدهم في إشعار أولادهم جميعا روح المحبة و الأخوّة و التسامح و المساواة، حتى ينعموا في ظلال العدل الشامل، و النظرة الرحيمة و العطف الصادق، و المعاملة العادلة.
• العاهات الجسدية:
هو أيضا من العوامل الكبيرة في انحراف الولد النفسي، لما يؤول في الغالب إلى الشعور بالنقص و النظرة الحاقدة للحياة.
فحين يُخاطب المُصَاب بعاهة العوْر يا أعور، و بعاهة الصمم يا أطرش، و بعاهة التهتهة و نقص النطق يا أخرص... فمن البديهي أن نراه في حالة يرثى لها من الصراع النفسي و الحقد الاجتماعي و النظرة المتشائمة للحياة.
ما علاج هذه الظاهرة؟
علينا كآباء و أمهات أن ننظر إليهم نظرة حبّ و رحمة، و أن نخصّهم بالرعاية و العناية، و أن نشعرهم بأنهم متميّزون عن غيرهم بالذكاء و المواهب، و العلم و الخبرة، و النشاط و الحيوية.
و علينا أن نقوم بواجب النصح و التحذير لكلّ من كان حول المصاب من خلطاء سواء أكانوا أقارب أم أباعد، حيث نحذرهم مغبّة التحقير و الازدراء و الإهانة، و نتائجها.
• اليـتْم:
هو عامل خطير في انحراف الولد النفسي، و لا سيما إذا وجد اليتيم في بيئة لا ترعاه و لا تُكَفْكِف من أحزانه و لا تمسح من دموعه، و لا تنظر إليه بعين العطف و الرحمة و المحبّة.
و رعاية اليتيم و كفالته واجبة في الأصل على ذوي الأرحام و الأقارب، فعليهم أن يخصوهم بمزيد من الرحمة و العطف و العناية، و أن يشعروهم أنهم كأولادهم حبًّا و معاملة و ملاطفة.
تحياتي لكل الآباء و الأمهات