لم اكن تجاوزت الثلاثين من عمري حين انجبت زوجتي احد ابنائي.. ما زلت اذكر تلك اليله.. بقيت الى اخر اليل مع الشله في احدى الاستراحات.... كانت سهره مليئه بالكلام الفارغ ....... بل بالغيبه والتعليقات المحرمه.... كنت انا الذي اتولى اضحاكهم وكنت اضحكهم في غيبه الناس وهم يضحكون
اذكر ليلتها اني اضحكتهم كثيرا... كنت امتلك موهبه عجيبه بالتقليد ... بإمكاني تغير نبرة صوتي حتى تصبح قريبه من الشخص الذي اسخر منه... اجل كنت اسخر من هذا وذاك لم يسلم احد مني حتى اصحابي اصبح بعض الناس يتجنبني حتى يسلم من لساني
اذكر تلك اليله اني سخرت من اعمى كان يتسول بسوق ولادهى اني وضعت قدمي امامه فتعثر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ماذا يقول ونطلقت ضحكتي تدوي بالسوق .... عدت الى بيتي متأخرا كالعاده
وجدت زوجتي بانتظاري كانت في حاله يرثى لها ... قالت بصوت متهدج ... راشد اين كنت؟ قلت ساخرا بالمريخ عند اصحابي بالطبع
كان الاعياء ظاهرا عليها ... قالت والعباره تخنقها ... راشد انا تعبه جدا الظاهر ان موعد ولادتها كان وشيكا سقطت دمعه صامته على خدها احسستاني اهملت زوجتي كان من المفروض ان اهتم بها واقلل من سهراتي خاصة انها في شهرها السابع
حملتها الى المشفى بسرعه... دخلت غرفه الولاده جعلت تقاسي الالام ساعات طوال... كنت انتظر ولادتها بفارغ الصبر, تعسرت ولادتها....فنتظرت طويلا حتى تعبت .. فذهبت الى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني .. بعد ساعه اتصلو ابي ليزفو لي نبأ قدوم سالم ذهبت الى المشفى فورا , واول ما رأوني اسأل عن غرفتها طلبوا مني مراجعه الطبيبه التي اشرفت على ولادة زوجتي, صرخت بهم اي طبيبه.؟؟ المهم ان ارى ابني سالم قالوا اولا راجع الطبيبه
دخلت على الطبيبه كلمتني عن المصائب والرضى بالاقدار. ثم قالت ولده به تشوه شدي في عينيه ويبدو انه فاقد البصر!!! خفضت رأسي وانا ادافع عبراتي... تذكرت ذلك المتسول الاعمى الذي دفعته بالسوق واضحكت عليه الناس.... سبحان الله كا تدين تدان! بقيت واجما قليلا,لا ادري ماذا اقول شكرت .. تذكرت زوجتي وولدي ... فشكرت الطبيبه على لطفها ومضيت لارى زوجتي... لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنه بقضاء الله راضيه .. طالما نصحتني ان اكف عن الاستهزاء بالناس... كانت تردد يوميا , لا تغتب الناس خرجنا من المشفى وخرج سالم معنا.. في الحقيقه لم اكن اهتم به كثيرا.. اعتبرته غير موجود بالمنزل. حين يشتدد بكاءؤه اهرب الى الصاله لانام فيها . كانت زوجتي تهتم به كثيرا وتحبه كثيرا... اما انا فلم اكن اكرهه لكني لم اسطتطيع ان احبه !
كبر سالم وبدأ يحبو كانت حبوته غريبه قارب عمره السنه فبدأ يحاول المشي .. فكتشفنا انه اعرج .. اصبح ثقيلا على نفسي اكثر انجبت زوجتي بعده عمر وخالد
مرت السنوات وكبر سالم وكبر اخواه, كنت لا احب الجلوس بالبيت, دائما مع اصحابي في الحقيقيه كنت كاللعبه في ايديهم... لم تيأس زوجتي من اصلاحي كانت دائما تدعوا لي بالهدايه, لم تغضب من تصرفاتي الطائشه,,, لكنها كانت تحزن كثيرا ان رأت اهمالي لسالم والاهتمام بباقي اخوته
كبر سالم وكبر همه معه , لم امانع حين طلبت زوجتي تسجيله في مدرسه خاصه للمعاقين, لم اكن احس بمرور السنوات ايامي سواء... عمل ونوم وطعام وسهر,
في يوم الجمعه استيقظت الساعه الحاديه عشر ظهرا, ما يزال الوقت مبكرا بالنسبه لي كنت مدعوا الي وليمه, لبست وتعطرت وهممت بالخروج, مررت بصاله المنزل فستوقفني منظر سالم , كان يبكي بحرقه! انها المره الاولى التي انتبه بها الى سالم وهو يبكي منذ ان كان صغيراعشر سنوات مضت لم التفت حاولت ان اتجاهله فلم احتمل كنت اسمع صوته وهو ينادي امه وانا بالغرفه التفت .. ثم اقتربت منه قلت سالم ! لماذا تبكي ؟حين سمع صوتي توقف عن البكاء. فلما شعر بقربي بدأيتحسس ما حوله بيديه الصغيرتين!؟. ما به ياترى!؟ اكتشفت انه يحاول الابتعاد عني!! وكأنه يقول الان احسست بي اين انت منذ عشر سنوات.؟! تبعته كان قد دخل غرفته رفض اخباري سبب بكاءه في البدايه .. حاولت التلطف معه.. بدأ سالم يبين سبب بكاءوه, وانا استمع اليه وانتفض
اتدري ما السبب !!! تاخر عليه اخوه عمر الذي اعتاد ان يوصله الى المسجد ولانها صلاة جمعه . خاف ان لا يجد مكان في الصف الاول نادى عمر ونادى والدته, ولكن لا مجيب
اخذت انظر الى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين, لم استطع ان اتحمل بقيه كلامه.. وضعت يدي على فمه .. وقلت لذلك بكيت يا سالم!! قال نعم ,, نسيت اصحابي ونسيت الوليمه , وقلت . سالم لا تحزن هل تعلم من سيذهب بك اليوم الى المسجد قال اكيد عمر لكنه يتاخر دائما قلت لا .. بل انا سأذهب بك. دهش سالم لم يصدق ظن اني اسخر منه بكى مسحت دموعه بيدي ثم امسكت يده اردت ان اوصله بالسياره رفض . قال المسجد قريب اريد ان اخطو الى المسجد.. اي والله قال لي ذلك
لم اذكر متى كانت اخر مره ادخل فيها الى المسجد لكنها المره الاولى التي اشعر بها بالخوف والندم على ما فرطته طوال السنوات الماضيه كان المسجد مليئا بالمصلين الى اني وجدت لسالم في الصف الاول .. استمعنا لخطبة الجمعه معا... وصلى بجانبي ...... في الحقيقيه انا التي صليت بجانبه
بعد انتهاء الصلاه طلب سالم مني مصحفا ...! استغربت !!! كيف سيقرء وهو اعمى؟ كدت اتجاهل طلبه.. لكني جاملته خوفا من جرح مشاعره. ناولته المصحف...طلب مني ان افتح المصحف على سوره الكهف اخدت اقلب بالصفحات تاره وانظرالى الفهرس تاره اخرى حتى وجدتها
اخذ مني المصحف ثم وضعه امامه وبدأ في قراءه السوره وعيناه مغمضتان يالله !! انه يحفظ السوره الكهف كامله!!! خجلت من نفسي اخذت مصحفا احسست برعشه في اوصالي... قرات وقرات.. دعوت الله ان يغفر لي ويهديني لم استطع الاحتمال ... فبدأت بالبكاء كالاطفال .. كان بعض الناس لايزال في المسجد يصلي السنه .. خجلت منه فحاولت ان اكتم بكائي .. تحول البكاء الى نشيج وشهيق... لم اشعر الا بيد صغيره تتلمس وجهي ثم تمسح عني دموعي انه سالم!!! ضممته الى صدري ونظرت اليه وقلت في نفسي لست انت الاعمى بل انا الاعمى... حين انسقت وراء فساق يجروني الى النار... عدنا الى البيت وكانت زوجتي قلقه على سالم ولكن قلقها تحول الى دمعه حين علمت اني صليت الجمعه مع سالم منذ ذلك اليوم لم تفتني صلاه جماعه في المسجد هجرت رفقاء السوء ........... واصبحت لي رفقه خيرة عرفتها في المسجد ذقت طعم الايمان معهم .. عرفت منهم اشياء الهتني عنها الدنيا لم افوت حلقه ذكر او صلاه الوتر... ختمت القران عدة مرات في الشهر
رطبت لساني بالذكر لعل الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من الناس.. احسست اني اكثر قربا من اسرتي, اختفت نظرات الخوف والشفقه التي كانت تطل من عيون زوجتي, الابتسامه ما عادت تفارق وجه ابني سالم., من يراه يطن انه مللك الدنيا وما فيها . حمدت الله كثيرا على نعمه
ذات يوم .... قرر اصحابي الصالحون ان يتوجهوا الى احدى المناطق البعيده للدعوه .... ترددت بالذهاب استخرت الله واستشرت زوجتي.. توقعت انها سترفض ولكن حدث الع**.... فرحت كثيرا . وشجعتني.. فلقد كانت تراني اسافر سابقا دون استشارتها فسقا وفجورا توجهت الى سالم واخبرته اني مسافر,. فضمني بذراعيه الصغيرتين مودعا.... تغيبت عن البيت ثلاث اشهر ونصف.. كنت خلال الفتره اتصل كلما سنحت لي الفرصه بزوجتي واحدث ابنائي....... اشتقت اليهم كثيرا.... اااه كم اشتقت الى سالم!!! تمنيت سماع صوته هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت اما ان يكون بالمدرسه او المسجد ساعه اتصالي بهم.... كلما حدثت زوجتي عن شوقي اليه.. كانت تضحك فرحا وبشرا.. الا اخر مره هاتفتها فيها.. لم اسمع ضحكتها المتوقعه ... تغيرت نبرة صوتها... قلت لها ابلغي سلامي لسالم ,,, فقالت ان شاء الله وسكتت.... اخيرا عدت الى المنزل طرقت الباب... تمنيت ان يفتح لي سالم ولكني فوجئت بابني الصغير خالد الذي لم يتجاوز الرابعه من عمره... حملته بين ذراعي وهو يصرخ بابا..........بابا لا ادري لماذا انقبض قلبي حين دخلت البيت
استعذت بالله من الشيطان الرجيم.... اقبلت الي زوجتي كان وجهها متغير.. كأنها تصنع الفرح تأملتها جيدا ... ثم سألتها ما بك؟؟ قالت لا شيء..... فجأه : تذكرت ابني سالم فقلت : اين سالم........... خفضت راسها لم تجب سقطت دمعات حاره على خديها صرخت بها اين سالم ..؟؟ لم اسمع حينها الى صوت ابني الصغير خالد يقول بلغته:: بابا ثالم لاح الجنه ... عند الله
لم تتحمل زوجتي الموقف . فبدأت بالبكاء.. كادت ان تسقط على الارض فخرجت من الغرفه
عرفت بعدها ان سالم اصابته حمى قبل موعد مجيئي باسبوعين فاخذته زوجتي الى المشفى .. فشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... الى حين فارقت روحه جسده
اذا ضاقت ضاقت عليك الارض بما رحبت, وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف .... يالله اذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الامال وتقطعت الحبال ..................نادي يالله
قصه واقعيه تبكي لها العين وتحزك مشاعر الانسانيه عند كل مسلم
الرئيسية 
الثلاثاء ديسمبر 23, 2014 10:11 pm من طرف 
